افتتاح سلسلة مدونات ’السرديات السورية’
كنا هناك أو لم نكن، في لحظةٍ لم نخطّط لها، حين اهتزّ الهواء وارتجّت الصورة، وسقط النظام.
سقط، لا كما تسقط تماثيل الطغاة أمام عدسات العالم فقط، بل كما يسقط خوف قديم فجأة من بين ضلوعك: بلا احتفال، بلا عزف، بلا عزاء. فقط صمت كثيف، وتيه.
ثم قيل لنا إننا نعيش في سوريا الجديدة.
سوريا الجديدة! قالتها الشاشات، كررتها صفحات الفيسبوك،
لكننا لم نكن نعرف بعد: أي سوريا هذه؟
سوريا المكان؟ سوريا النظام؟ سوريا اللغة؟
أم سوريا الفكرة؟!
ما الذي يحدث عندما لا تعود السردية الكبرى قادرة على التفسير؟
عندما تنهار الجملة الرسمية، وتفرغ الكلمات من معناها، وتبدو “سوريا الجديدة” وكأنها عبارة تُقال أكثر مما تُفهم؟
في لحظة ما، سقط النظام. لم يكن سقوطه ضجيجًا، بل فراغًا. ليس مشهدًا يُوثَّق، بل شعورًا يُعاش.
وفي هذا الفراغ، ظهرت فجوة: من يروي؟ وماذا يُروى؟ ولمن؟
ليس مشروع “السرديات السورية” إجابة جاهزة عن هذه الأسئلة، بل هو عودة لطرحها، لا من فوق المنابر، بل من داخل التجربة.
نكتب لا لأننا نملك أجوبة نهائية، بل لأن الصمت الذي فُرض علينا طويل، ولأن الحكايات التي لم تُروَ كثيرة.
لا نكتب “كي نمنح صوتًا”، بل لأن الصوت كان موجودًا دائمًا، فقط لم يُسمح له أن يُسمع.
وهذه ليست دعوة للكتابة بوصفها أدبًا فقط، بل بوصفها فعلًا حيًا، مقاومًا، فوضويًا أحيانًا، وعاطفيًا دائمًا.
ما نقدّمه هنا، هو مجموعة من التدوينات، مكتوبة على حافة المعنى، وعلى تماس مع الذاكرة، بلغة تحاول أن تلمس لا أن تشرح.
كل نص هو محاولة لحفر سردية لا تبحث عن مركز، ولا تخشى أن تتفرّق.
وإن كان الخطاب الرسمي قد بُني على التكرار، فإن ما نريده هنا هو التعدد، لا بوصفه تنوعًا شكليًا، بل بوصفه تفكيكًا لما اعتُبر “الحقيقة الوحيدة”.
في “خزّان”، نفتح سؤال الكتابة من جديد، بعيدًا عن الأكاديمية المغلقة أو اللغة النخبوية، وبعيدًا عن التبسيط الذي يختزل التجربة السورية في عناوين، أو صور، أو بطولات مصنّعة.
نكتب من الداخل: من داخل الألم، من داخل الارتباك، من داخل اللغة التي لا تكفي، لكننا نُصرّ على استخدامها، حتى لو كانت مكسورة.
هذه السلسلة لا تبدأ من نظرية، ولا تنتهي بموقف.
هي مساحة. مساحة للكتابة، للسؤال، للتجريب.
لكتابات فردية لا تبحث عن تمثيل أحد، ولا تدّعي أنها “الصوت الحقيقي”، بل تُصرّ على أن تُكتب كما هي: مربكة، ناقصة، وصادقة.
مرحبًا بكم في “السرديات السورية” – مشروع مفتوح، لا يدّعي الاكتمال، بل يحتفي بالتمزق، بالتعدد، وبالكتابة كأداة لا لترتيب الواقع، بل لتفجيره.
مرحبًا بكم في سردياتنا.
التي لا تخشى أن ترتبك،
أن تصرخ،
أن تتلعثم،
أن تلعن،
أن تحلم،
وأن تُخطئ.